بعد مرور سبع سنوات كاملة على واحدة من أخطر وقائع القتل الجماعي خارج إطار القانون في تاريخ مصر الحديث، تعود قضية تصفية 40 مواطنًا في ديسمبر 2018 إلى الواجهة، وسط مطالبات حقوقية متجددة بالكشف عن أسمائهم، وفتح تحقيق قضائي مستقل، ومساءلة المسؤولين عن جريمة مركّبة لا تزال فصولها مطموسة خلف رواية رسمية لم تصمد أمام التحليل الجنائي والحقوقي.
واقعة دموية في ظل رواية أمنية مثيرة للشكوك
في 29 ديسمبر 2018، وبعد ساعات من حادث استهداف حافلات سياحية بمنطقة الهرم، أعلنت وزارة الداخلية «تصفية» 40 مواطنًا بزعم تورطهم في الإعداد لعمليات إرهابية متزامنة مع أعياد رأس السنة وأعياد الميلاد المجيد. ووفقًا للبيان الرسمي آنذاك، توزعت الوقائع على ثلاثة مواقع متباعدة جغرافيًا:
14 قتيلًا في منطقة مساكن أبو الوفا – الحي 11 – مدينة 6 أكتوبر.
16 قتيلًا في مساكن أبناء الجيزة – طريق الواحات.
10 قتلى في مساكن «ابني بيتك» بمدينة العريش – شمال سيناء.
وأكدت الوزارة أن القتلى سقطوا خلال «تبادل لإطلاق النار» مع قوات الشرطة، دون القبض على أي شخص حيّ، ودون تسجيل أي إصابات في صفوف القوات.
صور تكشف ما أخفته البيانات
دعمت وزارة الداخلية بيانها بمجموعة صور فوتوغرافية قالت إنها التُقطت من مواقع الوقائع الثلاثة لإثبات وقوع اشتباكات مسلحة. غير أن التدقيق البصري والتحليل الجنائي المستقل لتلك الصور يكشف تناقضات صارخة تُضعف الرواية الرسمية وتفتح الباب على احتمالات أخطر.
1) غياب آثار الاشتباك
تُظهر إحدى الصور جثمانًا ملقى داخل مبنى، فيما تبدو الحوائط المحيطة خالية تمامًا من أي آثار لطلقات نارية أو شظايا أو علامات ارتداد. هذا الغياب يتعارض كليًا مع ادعاءات «تبادل كثيف لإطلاق النار» داخل مكان مغلق، حيث يُفترض ظهور آثار واضحة على الجدران والأرضيات.
2) دماء المسافة الصفر
تكشف صور أخرى عن غزارة غير معتادة للدماء الملتصقة بالجثمان وعلى الأرض المحيطة به، بما يشير إلى إطلاق نار من مسافة قريبة جدًا—قد لا تتجاوز مترًا واحدًا. هذا النمط يتناقض مع سيناريو الاشتباك، ويرجّح فرضية القتل من «المسافة صفر».
3) سلاح مُفتعل على الصدر
في صورة ثالثة، يظهر سلاح موضوعًا بعناية فوق صدر أحد الجثامين. وأكد مختصون في التحليل الجنائي أن هذه الوضعية غير ممكنة في حال تبادل إطلاق نار فعلي، وأن السلاح—وفق مؤشرات الصورة—وُضع بعد الوفاة لتدعيم رواية معدّة سلفًا.
اشتباك بلا إصابات.. مفارقة لا تُفسَّر
يثير البيان الرسمي تساؤلات جوهرية: كيف يسقط أربعون قتيلًا دفعة واحدة في ثلاثة مواقع مختلفة، من دون إصابة واحدة بين قوات الأمن، ومن دون القبض على أي مشتبه به حيّ؟ هذا النمط، بحسب خبراء، لا يتسق مع أبسط قواعد الاشتباك المسلح، ويعزز شبهة القتل المتعمد لا المواجهة.
أدلة دامغة على التصفية الجسدية
رصدت الشبكة المصرية، إلى جانب منظمات ونشطاء حقوقيين، مؤشرات متكررة تؤكد أن ما جرى أقرب إلى تصفية جسدية مباشرة:
- صفر إصابات في صفوف الأمن وصفر محتجزين أحياء.
- إخفاء الهويات: نشر صور لبعض الضحايا دون إعلان أسمائهم حتى اليوم، رغم توافر وسائل حاسمة كتحليل الحمض النووي (DNA).
- تمركز الإصابات في الرأس والصدر، بما يدل على إطلاق نار قاتل من مسافة قريبة.
- غياب آثار تبادل النار في محيط الجثامين.
- افتعال المشهد بوضع أسلحة بعد الوفاة في وضعيات غير منطقية جنائيًا.
ضحايا إخفاء قسري؟
تؤكد الشبكة المصرية امتلاكها أسبابًا قوية للاعتقاد بأن المواطنين الأربعين كانوا من ضحايا الإخفاء القسري قبل تصفيتهم. ففي تلك الفترة، وُثّقت مئات حالات الاختفاء القسري، ولا يزال مصير عشرات الأشخاص مجهولًا حتى اليوم. إن الإصرار على عدم إعلان الأسماء—رغم مرور سبع سنوات—يمثل جريمة إضافية تُضاف إلى القتل، ويعكس سياسة ممنهجة للتستر والإنكار.
جريمة لا تسقط بالتقادم
تدين الشبكة المصرية استمرار الإفلات من العقاب، وتؤكد أن عدم الكشف عن أسماء الضحايا يُعد انتهاكًا جسيمًا للدستور والقانون الجنائي، والمواثيق الدولية التي تحظر القتل خارج إطار القانون وتجرّم الإخفاء القسري. وتشدد على أن العدالة المؤجلة لا تعني العدالة الملغاة، وأن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم.
مطالب عاجلة
في ختام تقريرها، تطالب الشبكة المصرية بـ: الكشف الفوري عن أسماء وهويات الضحايا الأربعين، وفتح تحقيق قضائي مستقل ومحايد بإشراف جهات غير متورطة، ومساءلة جميع المسؤولين أيًا كانت مناصبهم، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب التي تشجع على تكرار الجرائم ذاتها.
https://www.facebook.com/ENHR2021/posts/pfbid02VDSTBDJXAcAZ59W8DoaQ8tdTX6eoZpZo4EmCcjErcfgenxshrySfzheshJShVUkyl

